البسملة في القرآن الكريم..
صفحة 1 من اصل 1
البسملة في القرآن الكريم..
الحمد لله رب العالمين ,والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على خير خلق الله أجمعين وعلى آله وصحابته والتابعين إلى يوم الدين...
فإن من سوابغ نعم الله تعالى على خير أمة أخرجت للناس إكرامها بكتاب الله المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد, ومما اشتمل عليه القرآن من آيات العظمة والجلال
-وكله كذلك- البسملةُ التي افتُتحت بها أم الكتاب وسأتطرق في عجل إلى ما يلي في تفسيرها بعد استمداد العون من ربي المعين:
1- سببِ نزولها.
2- معنى لفظ (بسملة) وإعرابها.
3- شرحِها .
4- البسملة عند القراء والفقهاء.
والله أسألُ أن يكرمني في هذا العمل بالإخلاص والقبول إنه ولي ذلك والقادر عليه,وهو بلا ريب قريبٌ مجيب الدعاء,وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين...
1- سبب النزول,وتاريخه:
لم أجد في ما طالعتُ من كتب التفسير سببا خاصا لنزول البسملة لوحدها,وذلك أن آيَ القرآن لا يلزمُ أن يكون لكل منها سببُ نزول مستقل,إذ يرِدُ بعضها وينزلُ من الله ابتداءاً,وقد ورد سببان لنزول البسملة كما ذكر ذلك الواحدي رحمه الله إلا أن الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتابه العجاب في بيان الأسباب تعقَّب الواحدي -رحمه الله- في آثارٍ ذكرها مستدلاً بها على سبب نزول البسملة فقالثم أسند من طريق أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: أول ما نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال:{يا محمد استعذ ثم قل:بسم الله الرحمن الرحيم} والراوي له عن أبي رويق ضعيفٌ فلا ينبغي أن يُحتَجَّ به.
ثم أسند من طريق من طريق يزيد النحوي عن عكرمة والحسن قالا:{أول ما نزل من القرآن:بسم الله الرحمن الرحيم}.وهذا مرسل,ولعل قائله تأول الأمر في قوله تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وإلى ذلك أشار السهيلي فقال: يستفاد من هذه الآية ابتداءُ القراءة بالبسملة,وأما خصوص نزول البسملة سابقا ففي صحته نظرٌ.)
ثم قال عقب ذلك(ثم أسند من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم السورة حتى ينزَل عليه بسم الله الرحمن الرحيم- وهذا رواته ثقات.
وأخرجه أبو داود لكنه اختُلف في وصله وإرساله,وأورد الواحدي له شاهدين بسندين ضعيفين.
قال الجعبري:يؤخذ من هذا أن لنزول البسملة سببين,أحدهما:التبرك بالابتداء بها,والثاني:الفصل بين السورتين والله أعلم) العجاب في بيان الأسباب,لابن حجر,تحقيق:عبد الحكيم محمد الأنيس,ص/243
أما فيما يتعلق بتاريخ نزولها فقد قيل إنها أول ما نزل من القرآن الكريم ولكن في عدم تقييد ذلك بأوائل السور نظرٌ,حيث يرى الإمام السيوطي رحمه الله أنها هي أول آية نزلت على الإطلاق لحاجة أول السورة إليها , قال رحمه الله عند ذكره لأقوال العلماء في أول ما نزل,وقد جعل القول بأن البسملة هي أول ما نزل رابعَ تلك الأقوال(وعندي أن هذا لا يعد قولاً برأسه,فإنه من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها,فهي أول آية نزلت على الإطلاق.)
الإتقان في علوم القرآن للسيوطي1/72
2- معنى كلمة البسملة وإعرابها:
في اللغة العربية ما يسمَّى بالنحت في النسب,وهو نحت لفظ واحد من اسمين مشتركين أصلاً,كقول دمعزَ فيمن قال: أدام الله عزك,وحوقل فيمن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله,وبسمل فيمن قال: بسم الله الرحمن الرحيم...الخ.
قال السمين الحلبي رحمه الله (وهي لغة مولدة,وقد جاءت في الشعر,قال عمر بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها *** ألا حبذا ذاك الحبيب المبسمِلُ
وغيره من أهل اللغة نقلها ولم يقل إنها مولدة كثعلب والمطرز)
الدر المصون1/13
وإعرابُها مختلفٌ بحسب اختلاف النحاة في التقدير المحذوف قبلها على وجهين:
(الباء): حرف جرٍّ.
(اسمِ): اسم مجرورٌ.
والجار والمجرور على القول بأن المحذوف مبتدأٌتقديرهابتدائي باسم الله) يكونان في محل رفعٍ خبرٌ,على القول بأن المحذوف المقدَّر فعلٌ تقديره (أبتدئ باسم الله) يكونان في محل نصب مفعول به والفاعل ضميرٌ مستترٌ تقديره أنا.
الرحمنِ الرحيمِ:صفتان مجرورتان تبعاً للموصوف.
3-شرحها:
لا شك أن إعراب البسملة السابقَ يوضح معناها المراد من طلب البركة والاستعانة بالله تعالى على ما يبمَل عليه من منطوق ومفعول,ولكني وجدت صياغة لمعنى البسملة الإجمالي يؤدي الغرض على أكمل وجه واستحسنت إيراده حيث قال شيخ المفسرين الإمام الطبري رحمه الله تعالى (إن الله تعالى ذكره وتقدست أسمائه أدب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله,وتقدم إليه في وصفه بها قبل جميع مهماته,وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه,سنة يستنون بها,وسبيلا يتبعونه عليها,في افتتاح أول منطقهم,وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم,حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل بسم الله,على ما بطن من مراده)تفسير الطبري1/50
وقيل إنَّ البسملة قسمٌ من الله تعالى,وذكر ذلك الإمام القرطبي رحمه الله تعالى فقال فيها(قال العلماء:بسم الله الرحمن الرحيم قسمٌ من ربنا أنزله عند رأس كل سورة,يقسم لعباده إن هذا الذي وضعتُ لكم يا عبادي في هذه السورة حقٌّ,وإني أفي لكم بجميع ما ضمنتُ في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري)الجامع لأحكام القرآن1/91
قال ابن منظور في لسان العرب(والرحمة في بني آدم عند العرب رقة القلب وعطفه,ورحمة الله عطفه وإحسانه ورزقه,والرُّحم بالضم الرحمةُ,وما أقرب رُحم فلان إذا كان ذا مرحمة وبرٍّ,أي ما أرحمه وأبرَّه)12/230
وأما معنى الوصفين(الرحمن - الرحيم) فهما مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة,و(الرحمن) عند المفسرين أعم وأشمل وأشد مبالغة من (الرحيم) وسبب ذلك عندهم هو قولهم بأن الرحمن وصفٌ لله تعالى يعم رحمته بالمؤمنين ويعم كذلك رحمته بغير المؤمنين من خلقه,فالرحمان هو ذو الرحمة التي تشمل الأمم والخلائق جميعها في دار الدنيا,أما الرحيم فهو وصف مبالغة من الرحمة أيضاً ولكن المفسرين يقولون:إنه يخص رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين - فقط - يوم القيامة قال الشيخ الشنقيطي- رحمه الله - في أضواء البيان وعلى هذا أكثر العلماء,وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا)1/40..
إلا أنه رحمة الله عليه استشكل على هذا القول وأجاب عن الإشكال فقال:
(فإن قيل:كيف يمكن الجمع بين ما قررتم وبين ما جاء في الدعاء المأثورمن قوله صلى الله عليه وسلم(يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما)؟؟
فالظاهر في الجواب والله أعلم أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا,لكنه لا يختص بهم في الآخرة,بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضاً,فيكون معنى رحيمهما رحمتَه بالمؤمنين فيهما,والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أيضاً أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى(هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً) لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته,وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمةٌ بهم في الدنيا,وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضاً)1/40
4-البسملة عند القراء والفقهاء.
البسملة ثابتة لدى القراء متفقٌ عليها في أول الفاتحة,وخلافهم في أوائل السور غير الفاتحة,هل تثبت بها البسملة أم لا؟
علما أن الاتفاق عليها عند الفاتحة لا يلزم منه عدُّها آية منها,فإن من يعدها آية من الفاتحة هم جمهور القراء من الكوفيين والمكي,وغيرهم من البصريين والشاميين والمدنيين,لا يرونها آية,وفي ذلك يقول الناظم:
والكوفِ مع مكٍّ يعدُّ البسملة *** سواهما أولى عليهم عدَّ لهْ.
قال ابن الجزري رحمه الله في النشر:
قال السخاوي رحمه الله :واتفق القراء عليها في أول الفاتحة فإن ابن كثير وعاصم والكسائي يعتقدونها آية منها ومن كل سورة,ووافقهم حمزة على الفاتحة خاصة.النشر لابن الجزري1/210
أما اختلاف الفقهاء فقد بسطوه في كتب الفقه واختلفوا هل هي آية من الفاتحة بحيث يجب على المصلي ابتداء صلاته بها أم ليست كذلك,ولكلٍّ وجهته بدليله,ويمكن تلخيص أقوالهم في ذلك إلى ثلاث:
1-ليست آية من الفاتحة ولا غيرها,وهو قول المالكية والأحناف,واستدلوا بحديث أنس كما في مسلم (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم)
2- آية من كل سورة,وهو قول ابن المبارك,واستدلَّ بما رواه مسلم عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذأغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا :ما أضحكك يا رسول الله,قال نزلت علي آنفا سورة فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر)
3- آية في الفاتحة,وهو قول الشافعي,واستدل بما رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة(إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني,وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها)
والجميع متفقون على أنها آية من القرآن في سورة النمل,كما حكاه القرطبي رحمه الله1/93
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إلى يوم الدين..
__________________
رد: البسملة في القرآن الكريم..
الحمد لله ..قد عدد الالوسي رحمه الله أقوال الناس في البسملة فأوصلها الى عشرة أقوال لمن شاء أن ينظرها هناك ..وقد رأيت أن أشارك بما تراه بعد مرقوما تبركا بالكلام عن هذه الآية.فأقول مستعينا بالله:
فائدة:يقول بعض أهل العلم ان البسملة لم يثبتها الصحابة في اول براءة لكونها مشتملة على نذارة ووعيد وتهديد وهو ما لا يتفق مع معاني البسملة .وأنا أرى أن هذا القول غير سديد لأمرين:
الأول هو أن البسملة تعني أن العبد لايأتي فعلا من الافعال الا وهو في ذلك مستعين بالله وبإذن من الله مالك كل شيء،فلا حول ولا قوة للعبد الا أن يقدره الله على الفعل.
وقد يسأل سائل فيقول إذا كان الامر كما زعمت ،ولأن أفعال العباد خيرها وشرها مخلوقة لله ،أفيجوزللعاصي أن يبسمل في ابتداء معصيته؟
والجواب أن المقدمة صحيحة ،ولكن ما بني عليها مناف للأدب مع الله تعالى وإنما يفعله أهل السفاهة والجهالة كالذي يقوله ابن ابي ربيعة من مجونه:
وناهدة الثديين قلت لها ارقدي ***** على الارض من جبانة لم توسد
فقالت على اسم الله أمرك طاعة *****وإن كنت قد كلفت ما لم أعود
وأما الامر الثاني الذي يرد دعواهم ، فهو أننا وجدنا في كتاب الله خلاف قولهم وذلك في سورة النمل .فهذا سليمان عليه السلام يبعث بكتاب وعيد "شديد اللهجة " ويبتدؤه بالسملة.فتأمل هذا بعين الانصاف فإني لم أجد فيما طالعت من نبه عليه أو أشار اليه ..ولله الحمد.
فائدة:ألف الحافظ ابن عبد البرالمالكي رسالة نصر فيها مذهب الشافعي،وقد خص الألوسي هذا الحكم بفيض غزير من العلم انتصر فيه لمذهبه "الحنفي" وفيه نصرة لمذهب مالك فاعجب من ذلك.
فائدة :لم يزد ابن العربي في نصرة مذهب امامه في هذه المسألة على قوله لو كانت قرآنا لما اختلف فيها لأن انكاربعض القرآن كفر.ولعلني قرأت شيئا من هذا للباقلاني.
فائدة :ذكر في المعير المعرب أن أحد كبار فقهاء المالكية في وقته كان يقرأ البسملة سراوربما جهر بها في المكتوبة فلما سئل عن ذلك قال نظرت فإذا جهري بالبسملة لا يبطل صلاتي عندهم جميعا وتركي قراءتها يجعلها ــ الصلاة ــ مختلف فيها فأنا آخذ بالمجمع فيه وأترك المختلف فيه .
ومن الفوائد:ما ذكره أبو محمد الحريري ــ رحمه الله ــ في (درة الغواص في اوهام الخواص ) من غلط كثير من الكتاب في الموضع الذي تحذف فيه الف بسم والموضع الذي تثبت فيه ،وقرر أنها تحذف في البسملة إذا كانت في أوائل السور والكتب ،كما أضمر الفعل المتعلق بها.أما إذا أظهر الفعل فإنه يجب اثباتهاكما في قوله تعالى " اقرأ باسم ربك ".وكذا اذا اقتصرت على قولك:"باسم الله "
فائدة : الباء في "بسم" تسمى باء الاستعانة.وقيل هي باء الابتداء.
فائدة :اجتمعت أنواع الجر في ا لبسملة ،ولذلك فإنهم يمثلون بها.وبيانه أن اجر يكون بحرف أو اضافة او تبعية،فالباء حرف جر واسم اسم مجرور ولفظ الجلالة مضاف اليه والرحمن الرحيم وصفان للفظ مجرور.
رد: البسملة في القرآن الكريم..
قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي -حفظه الله تعالى – عند شرحه لباب: بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بـبِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من سنن الترمذي - رحمه الله- ما نصُّه:
الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ، هذه المسألة تعتبر من أهم المسائل المتعلقة بالقراءة في الصلوات ، وقد اختلف العلماء-رحمهم الله- فيها قديماً وحديثاً ووقع الخلاف بين أصحاب النبي-- ، وأئمة التابعين ، والمذاهب الأربعة ، وكذلك بالنسبة للظاهرية ، وأهل الحديث وألّف العلماء-رحمهم الله- فيها التآليف كابن خزيمة ، وابن حبان ، والدارقطني ، والبيهقي ، والإمام الحافظ ابن عبدالبر-رحمة الله على الجميع- ، وكثر الكلام في هذه المسألة ونقل الأحاديث والأخبار عن النبي-- ، وكذلك الآثار عن الصحابة-رضي الله عنهم أجمعين- .
وحاصل الخلاف ، أن العلماء اختلفوا : هل يجوز أن يجهر بالبسملة قبل قراءة الفاتحة في الصلوات الجهرية أو لايشرع له أن يجهر بذلك ؟
(1) فذهب بعض أصحاب النبي-- كأبي هريرة ، وحبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس ، وكذللك عبدالله بن الزبير ، وابن عمر إلى القول بأنه يشرع أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وهذا القول قال به أئمة من التابعين-رحمهم الله أجمعين- وهو قول عطاء بن أبي رباح ، ومجاهد بن جبر ، وسعيد بن جبير ، وكذلك قال به الإمام الشافعي ، وهو رواية عن الإمام أحمد-رحمة الله على الجميع- وأصحاب هذا القول يقولون : يشرع للمسلم إذا صلى الصلاة وكانت الصلاة جهرية أن يجهر بببسم الله الرحمن الرحيم قبل قراءة الفاتحة .
واختلف أصحاب هذا القول : هل يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل قراءة الفاتحة ما بعد الفاتحة من السور الأخر؟
فقال بعضهم : يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة وابتداء السور جميعها .
وقال بعضهم : يختص الوجوب بالجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة وحدها .
(2) وأما القول الثاني في هذه المسألة فقال به : أئمة الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، أنه لايجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وإنما يقولها إما سراً ، وإما أن يمنتع من قراءتها - كما سنبينه إن شاء الله تعالى - ، وهذا القول قول أبي بكر- وأرضاه- ، وكذلك عمر ، وعثمان ، وعلي فقد روي أنس بن مالك- وأرضاه- أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بالحمدلله رب العالمين ، وجاءت الرواية عنه بالتصريح ، قال : لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ، وبهذا القول قال علي بن أبي طالب - كما روى أنس - والرواية عنه في الموطأ وغيره ، أنه كان لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان يقرأ في الصلاة بالحمدلله رب العالمين مباشرة ، وهذا القول قول عبدالله بن مغفل- وأرضاه- كما في رواية الترمذي ، وأحمد في مسنده حيث صرح عبدالله- وأرضاه- أن الجهر بالبسملة يعتبر من الحدث والبدع وبهذا القول قال فقهاء الحنفية ، والمالكية ، والحنابلة .
واختلف عن داود الظاهري فحكى بعض العلماء-رحمهم الله- عنه القول بالجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وحكى بعضهم أنه لا يقول بالجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
فالحاصل من هذا الخلاف أن للعلماء قولين في هذه المسألة :
قول يقول : بوجوب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويختلفون هل يجهر في الفاتحة وحدها أو فيها وفي بقية السور ؟
وقول يقول : بعدم وجوب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم لا في الفاتحة ولا في غيرها ، وأن الأول هو مذهب الشافعية-رحمهم الله- .
والثاني هو مذهب جمهور العلماء-رحمهم الله- والقائلون بعدم وجوب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
استدلوا بالأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي-- وبينت هديه-عليه الصلاة والسلام- وأنه كان يستفتح القراءة بالحمدلله رب العالمين وأنه كان لايجهر ببسم الله الرحن الرحيم .
أما الدليل الأول فحديث أنس بن مالك- وأرضاه- وقد رواه الشيخان في الصحيح قال : " صليت وراء النبي-- وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، وفي رواية لايجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ، وفي رواية " لايذكرون بسم الله الرحمن الرحيم .
فقال جمهور العلماء : إن هذا الصحابي الجليل الذي صحب النبي-- عشر سنين وقل أن يفارقه-عليه الصلاة والسلام- لا حضراً ولا سفراً ومع ذلك يثبت أن النبي--لم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، فدل هذا الحديث الصحيح دلالةً واضحةً على أن البسملة ليست بآية في الفاتحة وأن الجهر بها ليس بواجب على المصلي وقالوا وأكدوا ذلك بهدي أبي بكر وعمر وعثمان ، وعلي- وأرضاه- كما في رواية الموطأ والتي زاد فيها علي- وأرضاه- ، وجاءت روايات أخر عن علي ثابتة صحيحة تدل على أنه كان يبتدئ القراءة بالحمدلله رب العالمين قالوا : ولو كانت البسملة آية من الفاتحة أو يجب الجهر بها لجهر النبي-- ، ولأمر أمته بذلك ، وكذلك الخلفاء الراشدون المهديون من بعده-صلوات الله وسلامه عليه- .
واستدلوا بحديث أبي هريرة- وأرضاه- قال يقول النبي--قال الله-تعالى- : (( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ماسأل فإذا قال الحمدلله رب العالمين قال الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحبم قال اثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي ... إلى آخر الحديث )) .
ووجه الدلالة من هذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيره أن النبي-- لم يذكر البسملة ولو كانت البسملة آية من الفاتحة لذكرت في الحديث ، فدل على أن الصلاة وهي الفاتحة منقسمة على هذا الوجه بالتمام ، وإذا ثبت أن تمامها لاتعلق فيه بالسملة وأنها ليست بآية فلا يجب الجهر بها ولا تكون البسملة آية منها قالوا : ولذلك لا يجب على المسلم أن يجهر بها ولاتكون آية من الفاتحة ، فمن مجموع هذه الأحاديث عن النبي-- حكمنا بأن البسملة ليست بآية من الفاتحة .
وأكدوا ذلك بأنها لو كانت آية من الفاتحة لكفر منكرها ، وقد أجمع العلماء-رحمهم الله- على أن من أنكر كون البسملة آية من الفاتحة ليس بكافر ، وبناءً على ذلك فإنها ليست بآية من الفاتحة ولا يجب الجهر بها في الصلاة .
أما الإمام الشافعي-رحمه الله- ومن وافقه فقد استدلوا على وجوب الجهر بفاتحة الكتاب بما روت أم سلمة عن النبي-- حينما سئلت عن قراءته-صلوات الله وسلامه عليه- قالت : كانت قراءته مداً يقول : بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين الحديث .
ووجه الدلالة من هذا الحديث : أن أم سلمة كما جاء في الرواية الأخرى أخبرت أن قراءة النبي-- كانت مقطعة مفصلة آية آية ، قالوا : فنصت على البسملة قبل قراءة الفاتحة ، فدل على أن النبي-- كان يقرأ البسملة قبل الفاتحة وهي آية منها .
أما الدليل الثاني : فهو حديث حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس-رضي الله عنهما- وفيه أنه ذكر قراءة النبي-- في الصلاة وأنه جهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل قراءته للفاتحة ، وهذا الحديث الذي رواه الإمام الترمذي في سننه كما سيأتي حديث ضعيف ، ونص جمهرة المحدثين على ضعفه وعدم صلاحيته للاحتجاج ، والأحاديث التي ذكرها أصحاب هذا القول ، وهي أكثر من أحاديث القول الأول لكنها ضعيفة ، ولذلك اعترف أئمة الشافعية وفحول العلم منهم أنه لم يصح عن النبي-- في الجهر بالبسملة في الفاتحة حديث صحيح ، وممن صرح بذلك الإمام الدارقطني-رحمه الله- ، وحكاه عنه غير واحد من العلماء ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمهم الله- ، وكذلك اعترف غيره من أئمة الشافعية أن النبي-- لم يثبت عنه حديث صحيح يصرح بأنه-عليه الصلاة والسلام- جهر بالبسملة في الصلاة ، ولذلك قالوا إن الاحاديث التي استدل بها الشافيعة لايستقيم لهم إلا حديث واحد ، وهو حديث أم سلمة-رضي الله عنها وأرضاها- في صفة قراءته-عليه الصلاة والسلام- وهوحديث في صحيح ابن خزيمة وغيره من العلماء .
وهذا الحديث يجاب عنه بأن أم سلمة-رضي الله عنها وارضاها- حكت قراءة النبي-- فلما أرادت أن تحكي القراءة وأرادت أن تقرأ سورة تامة من القرآن ، فإن العلماء متفقون على شرعية البسملة قبلها فهي تصور القرآءة صفة لا إثباتاً للبسملة كما لايخفى ، وحينئذ لايستقيم الاستدلال بهذا الحديث .
وإذا أردت الجواب عنه بأسلوب أصولي ، فإنك تقول : حديث أم سلمة-رضي الله عنها- أعم من موضع النـزاع وأحاديث الجمهور واردة نصاً في موضع النـزاع ، والقاعدة في الأصول : " أنه إذا تعارض ما هو أعم من موضع النـزاع وما هو صريح ونص في موضع النـزاع قدم الثاني على الأول " فلا يعقل أن أنس بن مالك-- صاحب رسول الله-- ، وخادمه الذي صحبه ، ولم يفارقه ينص على أنه لم يجهر-عليه الصلاة والسلام- ببسم الله الرحمن الرحيم ، فهل يخفى مثل ذلك عن أنس بن مالك ؟ وكيف يمكن أن نقول : إن البسملة آية من الفاتحة ؟ ومع ذلك ينص أنس على أنه-عليه الصلاة والسلام- ترك الجهر بها .
ولذلك يقال : إن الصحيح أن البسملة ليست بآية من الفاتحة يجهر بها في الصلاة ، وإذا ثبت أن البسملة ليست بآية من الفاتحة .
فالسؤال : هل يجب أن يبسمل المصلي إذا قرأ الفاتحة أو لا ؟
فهذه المسألة مفرعة على المسألة الأولى فجمهور العلماء من المالكية ، والحنفية ، والحنابلة ، وطائفة من أهل الحديث انقسموا على طائفتين :
فالإمام أبو حنيفة النعمان ، وكذلك الإمام أحمد-رحمة الله عليهما- يقولان : إنه يبسمل المصلي سراً في نفسه ولايجهر بذلك ، ويجب عليه أن يبسمل قبل قراءة الفاتحة في الصلاة ، ووافقهم على هذا القول طائفة من أئمة السلف-رحمهم الله- فهذا القول مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- - وعن أصحاب النبي أجمعين-أنه كان يبسمل في نفسه إذا قرأ في الصلاة ، وقالوا : إنه يكون من الواجب على المصلي أن يبسمل سراً ، واختار هذا القول من أئمة الحديث الإمام اسحاق بن راهوية ، وكذلك قال به الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام الجمحي-رحمة الله على الجميع- فقال أصحاب هذا القول : يجب على المصلي أن يبسمل قبل قراءة الفاتحة ؛ ولكن لا يجب عليه الجهر .
وقال الإمام مالك-رحمه الله- : لا يجب على المصلي أن يبسمل ولا بأس أن يبسمل في النافلة ولاحرج عليه في ذلك ، ولذلك قال بعص أئمة المالكية ناظماً مذهبه في هذه المسألة في مسألة البسملة في القرءاة فقال :
بَسْمِلْ وُجُوباً عِنَد كُلِّ السُّوَرِ ** عَدَا بَرَاءَةٍ وَذا فيِ اْلأُشْهَرِ
لاَمُخْفِياً أَوْ فيِ الصَّلاَةِ كَانَ ** نَدْباً وَفيِ الْعُمرِ الْوُجُوبُ بَانَا
فالمقصود أنهم لايقولون بوجوب البسملة عند قراءة الفاتحة إذا كان في الصلاة .
والذي يترجح والعلم عند الله أن البسملة تعتبر لازمة واجبة على الأصل الذي اتفق عليه أئمة القراءة عند قراءة القرآن ، وقد كان النبي--يستفتح السور ببسم الله الرحمن الرحيم ، وبناءً على ذلك فلا بد من البسملة ولابأس حينئذ للمصلي إذا جهر أحياناً بالبسملة ، فإنه لايعتبر مبطلاً لصلاته كما قرر ذلك العلماء .
وأما حديث عبدالله بن مغفل-- الذي معنا فهذا الحديث فيه إشكال معروف ؛ وذلك أنه رواه عنه ابن من ابنائه اختلف العلماء-رحمهم الله- في الحكم على سنده بسبب الجهالة .
فقال طائفة من العلماء : إن هذا الحديث حديث صحيح ووثقوا ابن عبدالله بن مغفل-- وقالوا ان اسمه يزيد كما صرح بذلك الإمام أحمد-رحمه الله- في روايته في المسند .انتــــــهـــــــى عنه بنصَّه
واختصر - حفظه الله - الخلاف في المسألة قائلاً في شرحه للزاد:
وكلا الفريقين يحتج بحديث أنس : (صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان كلهم كانوا يستفتحون القراءة: ببسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، والرواية الثانية: (كلهم يستفتحون القراءة: بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
وجمع العلماء بين الروايتين عن أنس بأن نفيه للبسملة مراده الجهر، وإثباته لها مراده السر، أي: أنهم كانوا يقرؤون (بسم الله الرحمن الرحيم) سراً لا جهراً. فإن كان الإنسان قد ترجح عنده القول بعدم الوجوب فإنه يسر، وهذه هي السنة في حقه، وإن ترجح عنده القول بوجوب البسملة وقرأها جهراً فلا حرج، ولا ينكر على أحد بسمل جهراً، ولذلك اختار بعض العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا تارة ويفعل هذا تارة، كما يفهم من كلام بعض المحققين، ولذلك لا ينكر على من جهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، وهو قولٌ أئمة من السلف، ومعتدٌ بقولهم وخلافهم؛ لأن له وجهاً من سُنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتــــــهـــــــى عنه بنصَّه__________________
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
10th يوليو 2008, 17:47 من طرف زائر
» الطريق الى الله
10th يوليو 2008, 16:34 من طرف زائر
» ضرورة التفسير
10th يوليو 2008, 16:24 من طرف زائر
» تصويت على كتاب الأربعين النووية
10th يوليو 2008, 16:01 من طرف زائر
» سلاسل صوتية متدرجة في علم النحو
10th يوليو 2008, 15:51 من طرف زائر
» حول الأسئلة المطروحة في أصول الفقه ـ مهم ـ
10th يوليو 2008, 15:13 من طرف زائر
» اقتراح يخص طالب العلم
23rd يونيو 2008, 22:16 من طرف زائر
» حدود الشبهة و ما قيل في حكمها
23rd يونيو 2008, 16:38 من طرف محمد شحاته على
» جنايات على العلم والمنهج (6)..هجر جناحي الاجتهاد أو التقصير
23rd يونيو 2008, 16:37 من طرف محمد شحاته على